هو هنريك يوهان ابسن ( henrik johan ibsen ) 20 / مارس 1828 - 23 مابو 1906 ، شاعر نرويجي الاصل أُعِـدَ من أعظم كتاب الدراما المسرحية واعتبره النقاد المسرحيين ، والمهتمين والمتتبعين الاكاديميين ( ابي الدراما الحديثة ) وذلك للاثر الكبير الذي احدثه في عموم فن المسرح شكلا ومضمونا ، وتناولا ، فقد استطاع ان يهضم الاساليب الكتابية المسرحية السالفة وبخاصة فيما يتعلق في بناء المسرحية الفائقة الجودة في الصناعة الحرفية والاسلوبية ، والتي ارتبطت ايما ارتبـاط باعمـال الكاتب المسرحي الكبيـــر الفرنسـي ( يوجين سكريب ) ( yugen Scribe) رائد المسرحية القوية والجيدة الحبك ، من حيث الاحتفاظ ، والتاكيد على تمتين عنصري :-
•1- التشويق .
•2- والمفاجأه .
كما وتعكس كتابات ( ابسن ) المسرحية مدى تاثره المباشر في صياغته للمسرحية الواقعية الاجتماعية العالية الجـودة ، والمتانة التاسيسية في صنع وصياغة الحبكة ، وانتخاب الموضوعات الاجتماعية الباعثة على الجدل ، في اسقاطها المباشر على ارضية الواقع الاجتماعي اليومي المعاش بالكاتب الألماني ( فردريك شيلر ) ( ( Friedrich Schiller (1759-1805) وبخاصة في احداث المسرحيات التي تدور ملامح جذورها الثيمية في اجواء الكفاح الانثوي الناتج عن مخاض نضالي بحت ، واللمسات الشعرية الراقية ، وان اختلفت طرائق التناول الحكائي والمعالجاتي بين الاثنين ، ولكنهما اتفقا بالاجمال في طريقة الدفاع عن المشاغل التي تهم المجتمع برمته ، والمرأة بالخصوص ، والخلاص الى التاثير المباشر على المتلقي ، ومن هذه المسرحيات ( الشيليرية ) التي اتسمت بالقرب الشديد من ملامح مسرحيات ( هنريك ابسن ) مسرحيـة ( حـب ودسيسة ) ومسرحيـة ( اللصوص ) ومسرحيــة ( فيلهلم تـل ) ومسرحبة ( ماريا ستيوارت ) ومسرحية ( مؤامرة فيسكو في جنوه ) .
اما فيما يخص عملية المقاربة الدرامية ، والمتانة في الحبكة الدرامية الاجتماعية في تأثر ( هنريك ابسن ) بأدب وشاعرية وصياغة النص المسرحي لـ( فردريك شلير ) فيبدو ان المثال الاقرب لذلك الاسقاط ، هي المسرحية التي اعتبرت من اهم التراجيديات المأساوية الناهضة في صياغة حبكتها الدرامية ، ومتانة قيمتها التفاعلية في التناول ، ومثنلوجيتها مرجعيتها ، وبكونها مكتوبة بلغة متقنة عالية اخاذة ، وبقوام انثوي موقفي صارم شجاع ، بذات اللحظة التي يتزاوج فيها الشعر الرومانسي مع ثبات الموقف ذو التجذير الانثوي ، والتي كان قد كتبها الشاعر والكاتب المسرحي ( فردريش شيلر ) عام 1801 ، تحت مسمـــى ( عذراء أورليانز ) والتي كان قد اقتبس حكايتها عن قصة الفرنسيـة ( جان دارك ) التي تم بيعها إلى الإنجليز بعد أن الصقوا بها تهمة السحر والشعوذة وقُدمت إلى المحكمة الكنيسية ، واعتبرت ملحـدة ومرتدة ، وهو ما ترتب عليه حرقها حية في عام 1431 ، وبعد تسعة عشر عاما على حرقها وتحديدا في عام 1450 أقيمت محكمة لتبرئتها وتكريمها , وبعد مرور اكثر من اربعة قرون ونيف ، وتحديدا في عام 1909 جرى تقديرها وتبجيلها كفتاة مسيحية , ولقبت ( جان داراك ) بـ( القديسة ) .
وظلت على الدوام ( جان داراك ) مصدرا هاما ومهما لاستلهام فكرة البطلة الانثوية ، ومبعث الهام للكثير من المبدعين ، وخرجت للنور العديد من الأعمال الأدبية التي تحكي قصتها.
كان الألماني ( فردريش شيلر ) من أكثر الذين عرفوا كيف ينصفون البطلة الفرنسية دون أن تفوته , بين الحين والآخر بعض سهام النقد اللاذع من بعض الاقلام النقدية ، و( عذراء اورليانز ) هي الاخرى كنصا مسرحيا مكتنزا ، كانت وما زالت ، مصدر إلهام واكبار وتقديس بكونها محط تبجيل للشعب الفرنسي كله ، ومدعاة للحزن والاسى بمصيرها البائس التي آلت اليه على ايدي الإنجليز ، ولكن ( دارك ) لم تنل عند الاوربيين بالعموم وبخاصة الإنجليز والألمان منهم ، الحظوة الفائقة ذاتها التي نالتها من لدن الفرنسيين ، فهي لدى الفرنسيين اشبه ما تكون قديسة أما عند الطرف الاخر ، فانها تزاوج ما بين الجنــون والتعصب والمغامرة والشطح الفكري والمغالاة والشعوذة والسحر .
حتى عندما تناولها الالماني ( برتولد بريشت ) بنص مسرحيته التي تدور أحداثها في العصور الحديثة ووصف بطلة المسرحية بالمهيمنة على المسالخ ، لم يكن تقديره لها بالمرة تقديرا شفيفا .
ويمكن القول بان ( برنارد شو ) هو الاخر ايضا لم ينصف ( دارك ) فقد سخر منها بشكل لاذع .
وبالاجمال فقد كان الألماني ( فردريش شيلر ) هو الاكثر انصافا لهذه البطلة التاريخية الفرنسية ، بالرغم من انه لم يتخلص البتة كما اسلفنا من طروحات النقاد اللاذعة بحقه .
ومن هنا يجيء ذلك التاثر الواضح من قبل ( ابسن ) بـ( شيلر ) لانهما اهتما بذات القدر بالقضايا والمحاور الاجتماعية الواقعية وكتبوا الدراما الانثوية ، فقد استطاع ابسن من صياغة نصوص مسرحياته الحديثة ، من استلهام جل العناصر الابداعية المرتكزة على الفهم التراتبي البنائي ، لاخصاب التوافر العضوي الدرامي ، من (سوفوكلس) في القــرن الخامس ق_م الـى ( سكريب ) في القرن التاسع عشر ، ولكنه مع استلهامه وفهمه العميق لتلك الاطاريح المسرحية الفنية التي سبقته فقد خلق لنفسه اسلوبا دراميـا متميزا خاصا ومتفــردا عرف بـ( المنهج الانقلابي ) Retrospective ) Method ).
ويتبى هذا المنهج في مواطن تراتبياته الاجتماعية الاصيلة وجوهر صيرورته الواقعية ، في ان يبدأ الخطاب المسرحي ( النص ) المدون ، بموقف ابتدائي استهلالي في ابان اللحظة المتقدة في خاصرة الزمكانية الآنية الحاضرة ، لتتوالى الاحداث المتراتبة مستحضرا اياها من جلابيب الماضي ، ومن ثم العودة لنسج النهاية المأساوية لابطال نصوصه المسرحية ، ومن الجدير بالذكر ان ما يميز ( ابسن ) عن اقرانه ومعاصريه من كتاب الدراما ، هو انحيازه البائن وانعطافه الواضح صوب الواقعية المحضة ، والذي اعطى لاعماله المسرحية قيمة مضافة لقيمة المضامين الاجتماعية الجديدة ، حتى اصبحت باحة المسرح في عصره اكثر من ( حضور ترفهي ) ومشاهدة بصرية ممتعة لـ( فرجة عاطفية ) مغرية ومثالية او حتى جسدية ، والتي لا تخلو من مثالب ، لتنحو بالمسرح الحديث لمناحي ليست من مهامه الاصيلة في عملية التغيير المجتمعي الذي كان يعتقده ، بل راح منتشيا يعرض الحقائق ، كما هي ، بل بتوقيعاتها على ارضية الواقع ، والاهم من ذلك انه استطاع ان يحيل المسرح الى باحة يمكن من خلالها اكتشاف الحقيقة الواقعية الاجتماعية المرة ، في دواخل الذات البشرية المنعسكة على جملة احداث الواقع المعاش ، بل كانت الصالة المسرحية مكانا تعرض علية الوقائع الخطيرة والمفاجئة ، التي كان يعاني منها الجسد المجتمعي الاوربي ، بالرغم من ان مدوناته النصية المسرحية لم تخلو من طروحات انسانية وفكرية مهمة وعميقة ، حيث تعرض ( ابسن ) وبدقة اسلوبية خارقة وبلغة شعرية فائقة لقضية ماهية الحقيقة ، والفرق بين الحقيقة ، والواقع ، والصراع ما بين :-
•1- الواقعـي .
•2- المثالــي .
وهذا يتضح جليا عير الاستعراض الدايلوجي والتوقيعي بين سلوكيات معظم شخصياته داخل المنظمومة الفنيـة للنص المسرحي ، وبين ابطاله ، كما جاء في مسرحيــة ( برانـد ) ( Brand ) ( 1866 ) في عرض القيمـــة الجوهريــة الاساسية المثاليــة .
* ( إما ان تحصل على كل شيء ، او لا شيء ) *
ولد هنريك ابسن في مدينة ( سكيين ) 1828 بالنرويج ، وفي العام 1844 عمل صيدلانيا مساعدا في مدينة ( غريمستاد ) ذاعت شهرته مع بداية بواكير كتاباته المسرحية ، وتحديدا عند كتابتـه لثاني نص مسرحي له ( عربة المحارب ) عام 1850 عمل في السنوات اللاحقة بصفة مدير تحرري لصالـح المسرح النرويجـي فـي مدينـــــــــــة ( برغن ) ، الــف ما يقــارب ( 26 ) نصــا مسرحيــا .
لقد انتشرت اعمال إبسن المسرحية المدونه ، على مستوى الاوساط الاكاديمية الفنية ، والنخبوية في ارجاء العالم بوقت مبكر ، والتي اتسمت بخصائص غنية وراقية داخل ثنايا مفاتن موضوعاتها الاجتماعية الواقعية ، وبالاتكاء على الركائز الجمالية والخصائص الفنية البنائية الراقية ، والسمات اللغوية الشعرية ، والمقرونة بالتطورات الكبرى في القرنين العشرين والحادي والعشرين ، فصورت مشاعر اغتراب الفرد داخل رحم مجتمعه ، وشخصت جملة الأغلال التي تكبل فرديته ، والتي ربما كان يزهو بها ، وكشف بالتالي ، عن الضغوط الحياتية الخطيرة التي تتعرض لها الذات البشرية ، والمجتمع على حد سواء ، ازاء ذلك التطور الصناعي السريع المهول في العصور الحديثة ، حيث راح يصور بدقة متناهية ملامح تلك الصراعات الداخلية التي تحيط بالفرد ، وتؤدي بالانابة الى تدميره وسحقه ، وربما ثمة مقاربة وتوقعية واضحة ، بين ما تصوره ابسن في كتاباته المسرحية ، وبين ما يحدث بذات العلة والنزعة ، او البرهة الانية الذاتية المحطمة ، والمشكلات والامراض السيكولوجية الفردية المعقدة التي تغلف انسان هذا العصر ، ولعل هذا التمازج بين الخيال الخصب الذي يمتلك لواعج ابسن ويكتنفها ، وما بين المتوقع الحقيقي الافتراضي القادم ، هذا التوارد والتنبوء الفكري المبكر ، ربما هو الذي كان يميز عقل ابسن الابداعي عن عقول سالفيه .
ولعل من اهم ما آمن به ابسن من جملة المفاهيم الفكرية العقائدية التي اعتنقها ونظر لها بل ودونها ضمن اطار طروحاته الفنية النصية ، هي قيمة الحرية التي كان يعتقد بأنها ضرورة من ضرورات التواصل صوب المنجز او المنتج الذاتي الابداعي ، وقد كان يميز وعلى نحو خاص ، بين المتناقضات في القابلية ، والرغبة ، والارادة ، والظروف ، والمزج بين التراجيديا ، والكوميديا البشرية بالاجمال والفردية ، في آن واحد ، في ظروف غير مختلفة التواقع ، ولعل ما يميزه ايضا انه وعلى الدوام كان يمارس مخاض التجريب البحت ، بل ويتجاوز الحدود المنشئية السابقة في كتابته ، وغالباً ما خلقت نزعة الاستكشاف والتجريب هذه منه ، ومن نصوصه المسرحية موضوعاً مثيراً للجدل ، وحالة صادمة للجمهور والنقاد المحافظين في عصره ، وعن هذه النزعة المفاهيمية التجريبية الخاصة يصرح قائلا :-
** حيث كنت أقف في ذلك الحين ، عندما كتبت كتبي المختلفة ، هناك الآن حشد مكتظ، ولكنني ، أنا نفسي ، لم أعد هناك ، أنا في مكان آخر ، آمل أن يكون في الطليعة **
وربما ان الذي نخلص اليه في الانتهاء الاستعراض الاستقرائي ، يكمن في تلك الصعوبة الفهمية ، او الجرأة الخطابية المكتسبة التقليدية ، في تصنيف إبسن ، على نحو معقول منصف ، محايد ، هو ذلك التعقيد النفسي الذي يصور به أبطاله وموضوعاته على حد سواء ، بذات القيمة الابداعية المميزة ، وقد تمكن بل واسهم هذا الجهد الدرامي المضني في رسم الشخصيات الابسنية ، وايضا في خلق حالة من الموائمة بينه ، وبين جملة النقاد اولا ، وبين نخبة القراء ثانيا ، والمتلقين ( الجمهور ) ثالثا ، من أن يجدوا ظالتهم في دعمً معتقداتهم ومناخاتهم ومزاعمهم المحضة ، في ذلك التوافق بين طروحات ابسن الفكرية والفنية ، وبينهم باعتبارهم النواة الاصلية لمبعث وانتعاش وديمومة المنهج التجاربي ، وكلما اقترب هذا من الحقيقية الحتمية الواقعة ، كان صادقا وصحيحاً في عملية اسقاط مواطن حقائقه الدالة المحدثة ، في القرن التاسع عشر ، والعشرين ، وفي مجمل الازمنة اللاحقة ، فقد منح إبسن توصيفات وعلاجات مهمة ودقيقة من خلال ذلك البون الزمكاني الفاصل بين المتلاحقات المتماثلات ، في عملية اغناء دعائم التفسير الحقيقي في ذات اللحظة الانية والانسياق خلف مراسيم انتاج الافرازات والارهاصات من مفاتن جلباب الماضي ، ومفاتن وغرائز المستقبل ، فعلى سبيل المثال استخدام تلك المصطلحات المتثورة في الذات الانية والقديمة والمعاصرة ، المتقلبة المزاج والمغلفة بالعقد المصطلحية ، على مستوى الطرح والتطبيق ، كالثورية ، والرومانتيكية ، والمثالية ، والواقعية ، والطبيعية ، والرمزية والاشتراكية ، والرأسمالية ، الخ ، ومن جانب اخر اهتمامه الشديد بقضايا المرأة ونهضتها وتخليصها من ريق التسلط الذكوري والعبودية لقد كان ابسن حقا كاتبا مسرحيا متفردا في مجاهل التحليل النفسي للشخصيات ، وكان تأثيره عميقا وبائنا على الدراما المسرحية العالمية بالعموم ، سواء في عصره أو في القرن العشرين ، فقد احالت شرائطية ومقومات وثيمات مسرحياته وطبيعة صراعاتها ، ودرجة حبكتها العالية ، وحداثية طروحاتها الفكرية ، العديد من المخرجين المحدثين الى السعي المستمر لخلق واستباط اساليب وطرائق وتقنيات جديدة ، والسعي الجاد خلف ملامح واساليب الحداثة ، لتقديم نصوصه على خشبة المسرح ، كما واغنت فكرة الاجتهاد المستمر الحثيث في الوصول الى مناهجية ولغة ( ميزانسينية ) جديدة للوصول الى دعائم فنية وفكرية لتفسير نصوصه المسرحية ، مثلما أدت بالتالي الى خلق حالة من التسامي لدى الممثلين في السعي خلف مظاهر الابتكار لطرائق ومفاهيم تشخيصية ( تمثيلية ) جديدة ناهضة والتي يمكن من خلالها الامتثال لحالة الرقي الاقناعي في ادائها ، للحصول على اعلى درجة من الامتثال الاستجاباتي المبهر ، فـعلى سبيل الاستعراض الاستقرائي السريع في مجمل الخصوصيات المدارسية والاسلوبية التي كان يُعمل بمضامينها قبل مناهجية وطروحات ابسن الاسلوبية ، هي ظاهرة التجسيد وفق منهج ، او اسلوب (الخطاب الانفعالي ) في فن التمثيل ، لكن في عهد إبسن لم يكن الممثلين قادرين ، مثلا ً، على أن يقدموا ، بإقناع ، ودرجة استجابة مثلى ، طريقة القاء الحوار الطبيعي لمسرحيات إبسن الأخيرة ، التي تميزت بتشظي الجمل ، وتقاطع الكلمات والجمل التعجبية ، والتعابير القصيرة الدالة على المعنى الخفي المستتر خلف ماهيات الحوارات والدايلوكات